ایکنا

IQNA

القرآن هو حافظ شخصية العرب الحضارية

23:16 - December 20, 2021
رمز الخبر: 3483894
عواصم ـ إکنا: القرآن الذي استطاع أن يوحد العرب بتوحيد لغتهم، لقد قضى على اللهجات التي كانت سائدة بين القبائل كجأجأة قضاعة وتأتأة تميم وغيرها، وكانت وحدة اللغة صانعَ ومنجزَ وحدةِ الأمة. لقد كان القرآن الكريم كتاب العرب وحافظ شخصيتهم الحضارية.

وفي يوم اللغة العربية سأغتسل بكلماتها وآدابها وبفكرها لأتخلص من جنابةٍ فرضتها علينا أميّةٌ ضاجعناها قرونا وفرضت علينا طلاق لغة كانت امَّ اللغات، خلعت العربية عبقريتها يوم خلعنا معنى أن نكون أمة.

واللغة كائن حضاري كالإنسان، إذا تقدّمَ إنسانها تقدمت هي لأنها وعاء الحضارة وحافظة إنجازاتها.

وفي العصر العباسي تثاقفت اللغة العربية مع اللغات الأخرى، وأعطتها وأخذت منها كما تتفاعل الحضارات عطاءً وأخذاً، واستطاعت اللغة العربية يومها ان تكون لغة ذات حضور فاعل في العلوم والفلسفة وجميع المناحي الفكرية. لقد امتدت في العالم امتداد إنسانها. إنها مترجم روح الامة وحضورها وتأثيرها يومها قال المستشرقون:"لو حُذِفَ العرب من التاريخ لتأخرتْ نهضة أوروبا ألف سنة" . يومها كان حضور اللغة صورة عن حضور الأمة.

ثم لمّا صارت الأمة خاضعة لقوى لا تحمل روحها تحوَّلت اللغةُ العربية إلى أمَةٍ وجارية وكان أول علامات انحطاط الأمة انحطاط لغتها. لقد خلعها إنسانها فخلعتْه وتخلّتْ عن إبداعها الذي كان مالئ الدنيا وشاغل الناس.

ولكن ضعف الأمة لم يستطع رغم طوله وعرضه ان يمشي في جنازة اللغة العربية، ولم يستطع هذا الضعف الذي استبد بالأمة قرونا قاحلة من الإبداع، نعم لم يستطع هذا الضعف أن يضع هذه اللغة على آلته الحدباء. لقد ظلت العربية حية تقاوم ضعف حامليها رغم انها حملت كثيراً من ضعف أمتها، وسبب هذه المقاومة الحضارية هو أنّ اللغة العربية تحمل خصائص نادراً ما توفّرت في لغات أخرى،لقد تلاشت لغات كثيرة بمرور الأحقاب عليها، وبعضها أحيل إلى المتاحف، وإذا حاولنا أن نعدد أهم أسباب بقاء العربية لغة حية ذكرنا ما يلي:

1 ـ القرآن الكريم الذي استطاع أن يوحد العرب بتوحيد لغتهم، لقد قضى على اللهجات التي كانت سائدة بين القبائل كجأجأة قضاعة وتأتأة تميم وغيرها، وكانت وحدة اللغة صانعَ ومنجزَ وحدةِ الأمة. لقد كان القرآن الكريم كتاب العرب وحافظ شخصيتهم الحضارية.

أُعجِب العربي وغير العربي ببلاغة القرآن وإعجازه، وعُنوا به كثيراً، وكان المرجع الأول لوضع قواعدهم وقبل الشعر الجاهلي قياساً لا زمناً.

لغة القرآن لم تستعمل اللفظ الغريب إلا نادراً بل أدخلت إلى العربية كلمات من لغات أخرى بعد إخضاعها الزلاقة العربية بعملية تثاقفية رائدة، ومن هذه الكلمات "السندس والإستبرق والدينار والفردوس وجهنم وغيرها" وكانت لغة القرآن عالية التأثير ببلاغتها، كان الفرزدق يسجد للبلاغة القرآنية في أماكن السجدة فيها.

2 ـ الشعر، وتحديداً الشعر الجاهلي، وقد كان العرب مولعين بالشعر الى درجة مذهلة وقد كان لكل شاعر راوية لشعره، والشعر كان على صلة بالغناء عند العرب، ولم يستطع الإسلام إلغاء الشعر رغم موقفه السلبي من الشعر ومعروف كيف ألقى الرسول بردته على كعب بن زهير إعجاباً بشعره.

3 ـ  وضع العرب القواعد للغتهم صرنا لسلامتها بعد اختلاطهم بغير العرب، وعُنيَ العرب كثيراً بالقواعد واستعمالاته وسلاك النطق، وهذا حفظ العربية من الضياع. 

4 ـ ارتباط اللغة العربية بالمقدس حيث كانت لغة الصلاة وكانت تلاوة القرآن بكثرة مرتبطة بالعبادات عند المسلمين. فعند الفرس مثلاً هناك خطبة بالعربية إلى جانب الفارسية في صلاة الجمعة. 

5 ـ سعة جغرافية اللغة العربية وانتشارها في كل أرض دخلها الفتح الإسلامي.

6 ـ حركة الإحياء التي بدأت في عصر النهضة، وهي في الأدب تجاوز عصر الانحطاط والعودة بالادب الى مرحلة العصر العباسي.

اليوم بدأ خلل كبير يدخل في مدارسنا وجامعاتنا من المرحلة الابتدائية الى الجامعية. وهذا الخلل مرتبط بالتخطيط التربوي الفاشل الذي نتج عن إهمال السلطات التربوية.ونتج من عدم التأسيس الذي نراه منتشرا بين الطلاب إهمالاً متعمداً.

الخطوة الأولى التي يجب ان نبدأ بها لصيانة اللغة العربية هي مرحلة التأسيس في المرحلة الابتدائية. 

وأرى ان نُدخل في برامجنا إجبار الطالب ومنذ المرحلة الابتدائية على حفظ بعض النماذج الجيدة والمناسبة لعمره بلسان عربي مبين.

هناك قضايا أخرى سنعود إليها في مقالات قادمة وهذا ما تستوجبه علينا هذه اللغة العظيمة.
 
بقلم الباحث والكاتب اللبناني فواز فرحات
captcha