ایکنا

IQNA

أطروحة القرآن في ملك اليهود وفوائد التجربة الإسلامية

13:56 - December 18, 2023
رمز الخبر: 3493855
بيروت ـ إكنا: كل تجارب البشر في الغرب والشرق تكشف عمّا للعدو الصهيوني من طبيعة مغلقة في الدين والسياسة، وأن التعامل معه لايمكن أن يكون لخدمة الإنسانية! فإذا كان لابدّ تحقيق السلام، وتحقيق العدالة، فإن ذلك يقتضي إزالة ملك الحزبية اليهودية ليكون ممكناً تحقيق السلام وإعادة الحق الفلسطيني لأهله.
أطروحة القرآن في ملك اليهود وفوائد التجربة الإسلاميةذهبنا في مقالتنا السابقة إلى القول بأن اليهودية انكشفت في تاريخها الديني والسياسي عن منهج حزبي يهدف إلى تحريف الدين ليكون تعبيراً عن رؤيتهم للكون والحياة والإنسان، فأورثوا أهل الإيمان سواء في تاريخ بني إسرائيل أو في تاريخ الأمة الإسلامية، أورثوهم البلايا والمصائب في الدين والدنيا، فضلاً عما تسببوا به من تحولات سلبية على مستوى الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للناس، وهذا ما تكشف عنه محاوراتهم مع الأنبياء(ع).


كما جاء في إنجيل يوحنا في المحاورة مع النبي عيسى(ع) بشأن النبي إبراهيم(ع)،وكما جاء في القرآن فيما زعموه لأنفسهم من أوصاف وامتيازات تجعلهم فوق البشر من قبيل ما نسبوه لأنفسهم من تزكية وبنوة لله تعالى،كما قال تعالى:"نحن أبناء الله وأحباؤه…".
 
فالتاريخ كما النصوص يكشف لنا عن تجارب هؤلاء لجهة ما يرونه لأنفسهم من تمايزات في الاعتقاد والعمل معاً؛ وقد سبق لرسول الله(ص) أن قدم أطروحته للتعايش والتفاعل معهم، وهو ما سمي في حينه بصحيفة المدينة أو دستور المدينة ليكون الناس جميعاً أمة واحدة لايتناقضون في دين، ولايتأمرون، بل يتفاعلون لخدمة الدولة والمجتمع معاً، وللأسف كانت النتيجة فشل هذه التجربة الفريدة في تاريخ البشرية، ولانقول في تاريخ الإسلام، فهي تجربة كان من الممكن أن تؤدي إلى تحولات إيجابية على مستوى الاجتماع والسياسة لأن الإسلام في جوهره يدعو إلى التعارف والتفاعل بين البشر،كما قال تعالى:"وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم…"
 
ولكن اليهود أفسدوا هذه التجربة، وتأمروا على الرسول(ص) متحالفين مع مشركي قريش للنيل من المجتمع الإسلامي، ويمكن لأي باحث أن يراجع التاريخ الإسلامي بخصوص تحالفات كعب بن الأشرف زعيم اليهود مع أبي سفيان زعيم الأرستقراطية المالية لبني أمية، فهذه مراجعة تفيدنا لفهم حقيقة التحالفات القائمة اليوم بين اليهود والسفيانية الجديدة المتمثلة بأهل التطبيع العربي والإسلامي!؟ فالرسول(ص) كما يعلم أهل التاريخ وعلماء الدين والدنيا،كانت له غزوات كثيرة ضد اليهود وهم الذين عرفوا بجماعات بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريضة، وليس ببعيد عن هؤلاء غزوة النبي(ص) لخيبر قبل فتح مكة، هذا الفتح الذي لم يكن ممكناً لو لم تسبقه غزوة خيبر لما كان قائماً من تحالفات سياسية وعسكرية ومالية بين قريش ويهود خيبر، ولا شك في أن ما نشاهده اليوم من تحالفات ويحدث من حروب مع العدو الصهيوني ليس ببعيد إطلاقاً عما كان يجري في بداية الدعوة الإسلامية!

فالجاهلية عادت إلى تحالفاتها بدعم وقوة الصهاينة تحت عناوين شتى دينية وغير دينية.! فالقرآن الكريم يقدم لنا رؤيته عما يزعمه اليهود لأنفسهم من ملك في الأرض، فهم ليسوا بأهل حق ليكون لهم الملك، إذ كيف يكون لهم ذلك، وقد أخبرنا خالق الكون والإنسان أن الحزبية اليهودية لا تقيم وزنًا لحق أو عدالة! بدليل ما بيّنه القرآن عن مواصفاتهم الشريرة وبخلهم المعهود !

فالقرآن يبين بوضوح أن هذه الحزبية المقيتة تشكل خطراً على الإنسانية، ولا ينبغي أن يمكّن هؤلاء في الأرض، بحيث يكون لهم الملك والدولة والقوة،لأن من شأن ذلك تهديد كل المجتمعات البشرية، يقول القرآن الكريم:"أم لهم نصيب من الملك فإذًا لا يؤتون الناس نقيرًا…".
 
والنقير هو النقطة التي في ظهر النواة، فكيف يبحث مع هؤلاء اليوم أو غداً عن حل الدولتين في فلسطين! إن دعوة القرآن واضحة وصريحة في ما تحثّ عليه من استحالة أن يكون لهؤلاء الملك، ولهذا جاءت الآية بالاستفهام الإنكاري،وأم المنقطعة،لتفيد أنهم ليسوا أهلًا لإقامة حق أو رعاية حرمة؛ فأخلق بهم أن لا يقيموا وزنًا لشيء من ذلك فيما لو أقاموا دولة ،وهذا ما ينبغي الالتفات إليه في آية مفاوضات مع العدو الصهيوني! فهذا العدو يرى لنفسه الحق وكامل الإنسانية في الوقت الذي يُقدّم له حبل الغرب المستعمر لحماية مصالحه في المنطقة العربية والإسلامية!

فالتاريخ،وكل تجارب البشر في الغرب والشرق تكشف عما لهذا العدو من طبيعة مغلقة في الدين والسياسة، وأن التعامل معه لا يمكن أن يكون لخدمة الإنسانية! فإذا كان لا بد تحقيق السلام،وتحقيق العدالة، فإن ذلك يقتضي إزالة ملك الحزبية اليهودية ليكون ممكنًا تحقيق السلام وإعادة الحق الفلسطيني لأهله.
 
وانطلاقًا مما يؤسس له القرآن الكريم في ما بيّنه عن مخاطر هذه الحزبية التي يتجاذبها اليهود بين يمين ويسار، فإنه يبقى من مقتضيات هذه المرحلة بعد طوفان الأقصى أن يتنبّه القيّمون على التفاوض لما آلت إليه الحرب من تدمير وتآمر بالسر والعلن من القريب والبعيد بحيث يتعقل أهل التفاوض أن توصيفات وتقديمات القرآن الكريم هي المناسبة لإدارة الصراع وليس ما يقدّمه أهل التطبيع!

فتحرير الأسرى لايشكل انتصاراً استراتيجياً للمفاوض الفلسطيني، لأن العدو في ظل ما هو عليه من ملك وقوة يمكنه مليء السجون مجدداً، فهل تعود المقاومة إلى طوفان جديد!؟ حيث يستمر الصراع بين الفعل وردة الفعل؟ أم نختار استمرار مفاعيل الطوفان! إن ما ينبغي التساؤل حوله،هو هذا،ماذا بعد انعدام الحياة المدنية في غزة، وهدن الإغاثة لتحرير الأسرى؟ وكيف يمكن لهذا الطوفان أن يستمر لتحرير الأرض وإزالة الملك لبشر لم يعرفوا في تاريخهم للإنسانية معنى! فالله تعالى قال ما قال في وصفهم وفي ملكهم، وهو أصدق القائلين؛ فليكن أصحاب الحق أهل صدق في الدين والسياسة ليكونوا من الفائزين…والسلام على أهل غزة المجاهدين…
 
بقلم الأكاديمي والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية "د. فرح موسى"

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

twitter

 
captcha