ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

قَوْلُ لا أَعْلَمُ نِصْفُ الْعِلْمِ

22:00 - April 13, 2024
رمز الخبر: 3495284
بيروت ـ إکنا: إن الإنسان مهما بلغ من العلم يبقى علمه قليلاً قياساً على ما يجهله، وأنه كلما عِلمَ شيئاً بقيت أشياء خافية عليه يجهلها ولا يعلم حقيقتها، قد يشاهدها ولا يفهمها، وقد يرى ظاهرها ولا يعرف باطنها والقوانين التي تحكمها.

 رُوِيَ عن الإمام علِيّ (ع) أنه قال: "قَوْلُ لا أَعْلَمُ نِصْفُ الْعِلْمِ".
 
هَبْ قارئي الكريم أنك جمعتَ علوم الأنبياء والرُّسُل الكرام، والفلاسفة، والفيزيائيين، والكيمائيين، والبيولوجيين، والفلكيين، والجغرافيين والذريين، والأطباء، والمهندسين، والزُّرَّاع، وكل علوم أهل الأرض أجمعين، ثم ادّعَيتَ أنك تعلم كل شيء، فأنت تناقض أعظم حقيقة من حقائق الوجود الإنساني، حقيقة أن الإنسان مهما بلغ من العلم يبقى علمه قليلاً قياساً على ما يجهله، وأنه كلما عِلمَ شيئاً بقيت أشياء خافية عليه يجهلها ولا يعلم حقيقتها، قد يشاهدها ولا يفهمها، وقد يرى ظاهرها ولا يعرف باطنها والقوانين التي تحكمها، هذه هي الحقيقة التي لا يُمكِن لعاقل أن ينكرها، وهي التي نَبَّهنا الله تعالى إليها في كتابه الكريم إذ قال: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴿85/ الإسراء﴾.

والخطاب في الآية الكريمة للنوع الإنساني كله، لا فرق بين إنسان وإنسان، كلهم علمهم قليل، نعم يتفاضلون فيما بينهم بين عالم وأعلم منه، ولكنهم جميعاً لا يعلمون كل شيء، حتى رسُلُ الله تعالى الذين هم أكمل خلق الله، بل حتى سيدهم محمد (ص) الذي هو أكمل الخلق ما كان يعلم كل شيء، فهناك من الغُيوب ما يختص علمه بالله تعالى، والله يُطلع رُسُلَه على ما يشاء، وبالقَدر الذي يحتاجون إليه في أداء مهمتهم الرسالية، أما سوى ذلك فقد يحجبهم الله عن معرفته، ولعل من أهم شواهد ذلك ما حكاه لنا الله تعالى في كتابه الكريم من قصة لقاء نبيه موسى (ع) مع العبد الصالح الذي آتاه الله منه رحمة وعلَمَّه من لَدُنه عِلماً.


حيث تقول النصوص التفسيرية أن سيدنا موسى (ع) ادّعى أنه يعلم كل شيء، وأن لا أحد أعلم منه، فأوحى الله تعالى إليه أن من هناك من البشر من يعلم ما لا يعلمه موسى، وأمره أن يبحث عن ذلك العبد الصالح.

وهذا النبي الأعظم والرسول الأكرم (ص) كان المسلمون يسألونه عن أشياء كثيرة، عن أحكام، ووقائع، وقصص، وعن القيامة، والروح وسوى ذلك، فكان ينتظر أن ينزل عليه من الله وحي فيها، فكان الله يجيبهم من طريقه بما يجب أن يعلموه وما هو ضروري لحياتهم وآخرتهم، وأموراً أخرى لم يُجِبهم الله عنها لعدم قدرتهم على إدراك كُنهِها، وكان يأمر رسوله الأكرم أن يوضح للناس أن من الغيب ما هو محجوب عنه لا يعلمه، قال سبحانه:  يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿187﴾ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿188/ الأعراف﴾.
 
نعم: لقد كان رسول الله (ص) يُسئَل، فيجيب أن كان عالماً أو يستمهلهم حتى ينزل عليه وحي من السماء، وما كان ليجيبهم من عنده، أو يتقوَّلَ على الله تعالى، حاشاه، وكان (ص) ينهى عن يدعي أحدٌ علم ما لا يعلم، أو يُفتي الناس بغير علم، وكشف عن أن من يُفتي بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار.

وكان يوصي من لا يعلم ألّا يتحرَّج إذا سُئِل عَمّا لا يعلم أن يقول: لا أعلم، وأنَّ في ذلك سلامة دينه ودين الناس، وأن ذلك لا ينال من كرامته بل يزيده كرامة، فمن وصِيَّة أوصى بها أبا ذَرٍّ الغِفاري قال: "يا أبا ذَرٍّ، إذا سُئِلتَ عَنْ عِلمٍ لا تَعلَمُهُ فَقُلْ: لا أَعْلَمُهُ، تَنْجُ مِنْ تَبِعَتِهِ، ولا تُفْتِ بِما لا عِلْمَ لكَ بهِ، تَنْجُ مِنْ عَذابِ اللَّهِ يَومَ القِيامَةِ". ورُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "لا يَستَحيِي العالِمُ إِذا سُئِلَ عَمّا لا يَعْلَمُ َأْن يَقولَ: لا عِلمَ لي بِهِ".

وحَذَّر (ع) من ادعاء العلم، والإجابة على كل سؤال وإن كان لا يعلم فقال: "مَنْ تَرَكَ قولَ «لا أدري» أُصِيبَتْ مَقاتِلُهُ". أي أنه يُصاب في مقتل، ففي ذلك هلاكه في الدنيا وفي الآخرة. وجاء عن الإمام الباقر (ع): "ما عَلِمتُم فَقُولُوا، وما لَمْ تَعلَمُوا فقولوا: اَللَّهُ أعلَمُ، إنّ الرَّجُلَ لَيَنتَزِعُ بالآيَةِ مِنَ القرآنِ يَخِرُّ فيها أبعَدَ مِن السماءِ".

وجاء عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: "إنَّ مَنْ أَجابَ في كُلِّ ما يُسألُ عَنهُ لَمَجنُونٌ". 

وأوصى الإمام الصادق (ع) السائل أَلّا يسخر من المسؤول إذا أجابه بقول: لا أعلم، وأَلّا يتَّهِمه، فقال: "...وإذا قالَ المسؤولُ: لا أدرِي فلا يَتَّهِمْهُ السائلُ".
 
خلاصة الأمر أن قول الرجل: لا أعلم، لا يُنقِص من قَدره، بل يزيد فيه، وبقولهم هذا يُستَدَلُّ على كمال دينه، وتقواه، وأمانته، وتَثَبُّتِهِ، وتَحرِّيه للصواب. ومن يك كذلك يفتح الله عليه أبواباً من العلم كثيرة.
 
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha