ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة....

الإنسان لا يحصد إلا ما زرع

21:30 - April 23, 2024
رمز الخبر: 3495406
بيروت ـ إکنا: من السُّنَن الإلهية التي أقام الله الكون عليها، وأحكم شؤون خلقه بها، وهي سُنَنٌ لا تتبدَّل ولا تتحَوَّل، هذه السُّنَّة الإلهية الكبرى في مجازات العباد، وهي: أن الإنسان لا يحصد إلا ما زرع، ولا يُجازى إلا بما صنع.

 

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "كُلٌّ يَحْصُدُ ما زَرَعَ، وَيُجْزى بِما صَنَعَ".
 
من السُّنَن الإلهية التي أقام الله الكون عليها، وأحكم شؤون خلقه بها، وهي سُنَنٌ لا تتبدَّل ولا تتحَوَّل، هذه السُّنَّة الإلهية الكبرى في مجازات العباد، وهي: أن الإنسان لا يحصد إلا ما زرع، ولا يُجازى إلا بما صنع، فإن زرع خيراً حصد الخير، وإن زرع شراً حصد الشر، إذا ظلم جوزي بظلمه، وإذا عَدلَ أُثيبَ على عدله، وهذا ما تشهد له التجربة الإنسانية الممتدة من فجر التاريخ الإنساني إلى يومنا هذا، وهي على جريانها في الأجيال الإنسانية الآتية إلى أن تنتهي حياة البشر على الأرض، ثم تبقى على جريانها في الآخرة، وقد دلَّت طائفة من الآيات الكريمة على ذلك: 

منها قوله تعالى: "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿7﴾ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿8/ الزلزلة﴾. فالآيتان الكريمتان تقرِّران قانوناً عاماً في الجزاء، الإنسان يجني ثمار عمله وجهده خيراً كان أم شَراً، يجنيها في الدنيا ويجنيها في الآخرة.
 
ومنها قوله تعالى: "مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ﴿123/ النساء﴾ فكل عمل له جزاؤه، والجزاء هو نفس العمل، فإذا كان العمل صالحاً فآثاره وبركاته هي الجزاء عليه، وإذا كان العمل سيّئاً فآثار العمل السَّيّء ونتائجه هي ذاتها الجزاء، وبكلمة أخرى: الجزاء ليس شيئاً يقابل العمل، كما لو أصلح لي مهندس الميكانيك السيارة فأعطيه الأجرة على ذلك، لا، بل إن العمل يحمل في باطنه جزاءه. ولذلك قال الله تعالى: "وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ ﴿120/ الأنعام﴾. فالذين يكسبون الإثم لا يُجزَونَ على إثمهم، بل يُجزَون بإثمهم، الإثم نفسه هو الجزاء، يتجسّد في الدنيا بشكل، وفي الآخرة بشكل آخر.
 
ومنها قوله تعالى: "مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿84/ القَصَص﴾. هذه الآية الكريمة تدل على ما دلَّت عليه الآيات السابقة، لكنها تضيف أمراً مهماً تكشف فيه عن عظمة رحمة الله وكرمه وجوده وتَفَضُّله، فالحَسَنَة لها جزاؤها الذي يناسبها، كما السَّيِّئة، غير أن الله يُضاعِف جزاء الحَسَنة، بينما السيِّئَة لا يتضاعف جزاؤها، لا يُزادُ فيه، بل يتناسب معها تماماً، وبكلمة أخرى: إن جزاء السيئة هو آثارها بَلَغت ما بَلَغَت ولا يُزاد عليها، لأن عدم التناسب بين السَّيِّئة وجزائها ظُلمٌ، والله تعالى لا يكون من منه ظلم، أما زيادة الثواب على الحسَنَة فتفَضُّلُ من الله وهذا عين الرحمة والجود والرأفة.
 
ومنها قوله تعالى: "...وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴿20/ المُزَّمِّل﴾. وهذا وعدٌ من الله تعالى أن يحصد الإنسان ثمار عمله في الآخرة، وأن يكون حصاده تاماً لا نقصان فيه، وكيف يكون النقصان وهو يجِدُ الخير الذي قدَّمه، يجده عند الله خيراً، وما يكون في عند الله لا يضيع، ولا ينقص، ولا يضمحِلُّ، بل يزيد ويربو وينمو.
 
وكما سبق وذكرتُ أن المَرْء يحصد ما زرع، ويُجزى بما صنع في الدنيا قبل الآخرة، فإن ما تعانيه البشرية عامة والعالم الإسلامي خاصة، من آلام الدمار والتشريد، ومن أوجاع الفقر والجوع، والحروب المتنقلة، كل ذلك لم يأتها من كوكب آخر، ولم يأتها ابتداءً من غير سبب، بل كل ناتج عما فعلته البشرية ذاتها، ناتج عن انحرافها، وظلمها، وإفسادها، وتجاوزها لحدود الله، قال تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِىْ النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴿41/ الروم﴾.  
 
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha